كتبت سيلكه وونش أن المتحف المصري الكبير، المشروع الأضخم في تاريخ مصر الثقافي، يقف اليوم كصرح فخم على أطراف الصحراء قرب أهرامات الجيزة، بينما تغرق البلاد في دوامة من الغلاء وارتفاع الأسعار. بعد أكثر من عقدين من التخطيط والإنشاء، يعلن المتحف عن افتتاحه الكامل مطلع نوفمبر، في وقت يعيش فيه المواطن المصري ضغوطاً معيشية متزايدة، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار البنزين خلال الأيام الماضية.
توضح دويتشه فيله أن الواجهة الزجاجية الممتدة لمسافة 800 متر تخفي وراءها مساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع، أي ما يعادل سبعين ملعب كرة قدم. صمم المبنى مكتب هندسي أيرلندي، واحتضن داخله أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تغطي سبعة آلاف عام من التاريخ المصري، من العصور الفرعونية إلى اليونانية والرومانية. في قلب المعرض تبرز مجموعة توت عنخ آمون الكاملة، بأكثر من خمسة آلاف قطعة بينها القناع الذهبي الشهير، إلى جانب سفينة خوفو التي يبلغ طولها اثنين وأربعين متراً.
يروي المقال أن المشروع واجه تأجيلات متكررة بسبب التوترات السياسية وجائحة كورونا، إلى أن اكتملت أعماله أخيراً بتكلفة تجاوزت المليار دولار، بتمويل جزئي من قروض يابانية وعائدات معارض خارجية. غير أن لحظة الافتتاح تأتي بينما تواجه مصر أزمة اقتصادية حادة تلاحق المواطن في كل تفاصيل حياته اليومية، من فواتير الطاقة إلى أسعار الخبز والسلع الأساسية.
يدعو رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي عدداً من قادة العالم لحضور حفل الافتتاح في الأول من نوفمبر، واصفاً الحدث بأنه “ليلة للتاريخ”. غير أن الأضواء المبهرة التي سترافق نقل مقتنيات توت عنخ آمون من متحف التحرير إلى المتحف الجديد، تتناقض مع واقع آلاف الأسر التي تكافح لتأمين احتياجاتها وسط موجة تضخم متصاعدة.
يشير المقال إلى أن التصميم الداخلي يعيد بناء السرد التاريخي لمصر بطريقة جديدة؛ إذ يعرض القطع الأثرية ضمن موضوعات عن السلطة والمجتمع والدين، بحيث تمتد الحكاية عبر العصور. في قلب المتحف ينتصب تمثال رمسيس الثاني بارتفاع أحد عشر متراً في بهو تغمره الشمس، بينما تصطف التماثيل الأخرى على سلالم تمتد عبر طوابق المبنى الأربعة.
لكن وراء الجمال المعماري تبرز أسئلة اقتصادية صعبة. يرى محللون أن مشروعاً بهذه الكلفة، في بلد يعاني من تضخم يقترب من 40% ونقص حاد في الدولار، يعكس اختلالاً في أولويات الدولة التي تواصل إنفاق مليارات الدولارات على مشاريع البنية الفاخرة بينما تتآكل دخول المواطنين.
يؤكد بعض الخبراء أن المتحف جزء من استراتيجية مركزية تضع السياحة الثقافية في قلب الخطاب الرسمي حول “نهضة مصر الحديثة”، غير أن هذا النهج يهمّش مناطق أخرى تملك ثراءً أثرياً هائلاً لكنها لا تحظى بالاهتمام ذاته. ويشير آخرون إلى أن المشروع يخدم أيضاً بعداً سياسياً؛ فرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي يرأس مجلس أمناء المتحف ويشرف على توجيه سياساته، مما يجعله رمزاً للسلطة بقدر ما هو رمز للهوية.
يعتمد المتحف، بحسب التقرير، على تصميم بيئي متقدم يقلل استهلاك الطاقة والمياه بنسب كبيرة، ويستخدم الطاقة الشمسية والتبريد الطبيعي عبر حركة الرياح. وقد حصل المبنى على شهادة “EDGE Advanced” للتصميم المستدام، في وقت يسعى فيه العالم لخفض البصمة الكربونية للمشروعات الكبرى. إلا أن هذا الجانب البيئي لا يُخفي المفارقة بين الخطاب الحضاري للحكومة والواقع الاقتصادي الذي يثقل كاهل ملايين المصريين.
يرى مراقبون أن المتحف الجديد، برغم فخامته، لا يمكن فصله عن سياق الأزمة المعيشية التي يعيشها المواطن. فبينما يروّج الإعلام الرسمي للمتحف بوصفه “هبة مصر للعالم”، يتساءل كثيرون عن الثمن الحقيقي الذي دفعته الدولة لإنجاز المشروع في ظل موجات الغلاء المتلاحقة، وديون خارجية تجاوزت 165 مليار دولار.
يصف بعض الاقتصاديين افتتاح المتحف بأنه “احتفال فوق الركام”، إذ يعكس المفارقة بين فخامة الحجر وضيق الجيوب. فالمواطن الذي يشاهد حفل الافتتاح على شاشة التلفزيون، يواجه في الوقت نفسه أسعار وقود مرتفعة وتراجعاً مستمراً في القوة الشرائية. وبينما تتجه الأنظار العالمية إلى أضواء الافتتاح، يعيش كثير من المصريين واقعاً آخر، حيث تصبح زيارة المتحف رفاهية بعيدة المنال.
يبدو المتحف المصري الكبير إنجازاً معمارياً مدهشاً، لكنه في الوقت ذاته مرآة لمعادلة قاسية: دولة تبحث عن مجدها في الماضي، بينما يرزح حاضرها تحت عبء اقتصادي خانق. وبين بريق الذهب في قناع توت عنخ آمون، وضيق الجيوب في شوارع القاهرة، تتجسد المفارقة الكبرى لمصر اليوم.
https://www.dw.com/en/grand-egyptian-museum-fully-opens-to-the-public/a-74531255

